المسلسلات اليمنية.. صناعة العنف وتشويه القيم
الحديدة إكسبرس | مقالات
الجمعة - 07 مارس 2025
بقلم: محمد العنبري*
![]() |
المسلسلات اليمنية.. صناعة العنف وتشويه القيم |
يبدو أن القائمين على القنوات اليمنية قد فقدوا البوصلة تماما فلم نعد نفهم ما هي الرسائل التي يريدون إيصالها عبر المسلسلات التي يبثونها للمجتمع فبدلًا من أن تكون الدراما وسيلة لتعزيز القيم ونشر الوعي وترسيخ ثقافة البناء والتسامح أصبحت وسيلة لترسيخ العنف وتكريس ثقافة حمل السلاح في مجتمع يئن تحت وطأة الصراعات فلم يكتفوا باستنزاف وقت الناس في مشاهد لا فائدة منها بل تجاوزوا ذلك إلى إفساد العقول وصياغة وعي الأجيال على نحو مشوه يجعلهم أكثر ميلًا للعنف وأقل رغبة في التعايش والسلام
إن أخطر ما في الأمر هو استهداف الأطفال الذين يشكلون النسبة الأكبر من المشاهدين فهم الفئة الأكثر تأثرا بما يشاهدونه ومع ذلك تصر هذه المسلسلات على تقديم مشاهد تدفعهم نحو تبني ثقافة العنف والاحتراب والتعامل مع السلاح باعتباره أمرا طبيعيا بل وربما وسيلة لحل المشكلات وتحقيق الذات فتجد المشاهد مليئة بصور حمل السلاح دون أي مبرر مقنع بل يصل الأمر إلى تصوير المرأة التي يفترض أن تكون رمزا للحنان والرقة على أنها مقاتلة تحمل البندقية حتى في طفولتها وكأن القائمين على هذه الإنتاجات يريدون إلغاء الفطرة الإنسانية السليمة واستبدالها بثقافة لا تنتج سوى مزيد من الخراب والدمار
لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار هذه المسلسلات مجرد مواد ترفيهية فقد أصبح تأثيرها يفوق تأثير المدرسة والمنزل والمجتمع بأسره إذ إنها تشكل وعي المشاهدين بطريقة غير مباشرة وتغرس في عقولهم أفكارا وقيما يصعب التخلص منها لاحقًا والمشكلة الكبرى أن هذه الأعمال تتجاهل عمدا أو جهلًا الدور التنويري الذي يجب أن تلعبه الدراما في مجتمع يعاني من الجهل والأمية والصراعات وتتحول إلى أداة لإنتاج أجيال لا تعرف سوى لغة العنف وتحمل أفكارا مشوهة عن المجتمع والحياة والمستقبل
كان الأجدر بالقائمين على هذه القنوات أن يستغلوا تأثير الدراما في صناعة الوعي ونشر ثقافة العلم والعمل والإنتاج والتعايش بدلًا من تحويل الشاشات إلى منصات لصناعة العنف وتزييف الحقائق وخلق بيئة تدفع الأجيال القادمة إلى الإيمان بأن القوة وحدها هي السبيل لتحقيق الذات وأن حمل السلاح هو الطريق الأقصر لحل المشكلات كان الأجدر بهم أن يقدموا نماذج إيجابية تعزز قيم العمل والبناء والاحترام والتسامح وتحث الأجيال على حمل القلم بدلًا من السلاح لكن يبدو أن الأهداف التي يعملون من أجلها لا علاقة لها بالمصلحة العامة ولا تهدف إلى بناء مجتمع مستقر ومتحضر
لقد أصبح واضحا أن هذه المسلسلات لا تساهم إلا في إعادة إنتاج الواقع المشوه الذي تعيشه البلاد بدلًا من المساهمة في إصلاحه فبدلًا من تقديم أعمال تحفز الناس على تجاوز واقع العنف والجهل والتخلف نراها تعمل على تكريس هذا الواقع وكأنها تريد أن تبقي اليمنيين عالقين في دوامة لا نهاية لها من العنف والسلاح وكأنهم يريدون أن يقتلوا في الناس أي أمل في مستقبل مختلف وأي رغبة في النهوض من هذا المستنقع الذي غرقت فيه البلاد منذ عقود
إن المسؤولية هنا لا تقع فقط على القنوات التي تبث هذه الأعمال بل تمتد إلى الجهات الرسمية والمجتمع بأسره إذ لا يمكن أن يُترك المجال مفتوحا لهكذا إنتاجات تشوه الوعي وتعبث بعقول الأجيال ولا بد من وجود رقابة حقيقية تضمن أن تكون المسلسلات أداة للبناء لا وسيلة للهدم ولا بد من تعزيز دور الإعلام الواعي والمسؤول الذي يساهم في صناعة الوعي بدلاً من الترويج لثقافة التخلف والعنف
إن اليمن بحاجة إلى دراما تعكس تطلعات الشعب نحو مستقبل أفضل وليس إلى أعمال تكرس التخلف وتنشر ثقافة السلاح وتزرع في الأجيال القادمة قيما لا تقود إلا إلى مزيد من الدمار والخراب فالمجتمعات التي تحترم نفسها تعمل على تقديم محتوى يساهم في بناء الإنسان ويرسخ قيم التقدم والتحضر أما المجتمعات التي تتجه نحو الانهيار فهي التي تترك إعلامها ليكون وسيلة لتدمير عقول الأجيال القادمة وتحويلهم إلى أدوات للعنف والصراعات وهو للأسف ما نراه اليوم في العديد من المسلسلات اليمنية التي فقدت قيمتها الفنية والأخلاقية وتحولت إلى أداة لزرع الفوضى وتشويه القيم وإنتاج جيل لا يرى في الحياة سوى لغة القوة والسلاح.
اقرا المزيد:
بذور النجومية: المواهب اليمنية الصغيرة بين الواقع المرير والطموح المُشرق
https://hodeidahnewsexpress.blogspot.com/2024/04/blog-post_81.html?m=1
------
*من موقع عدن الغد *المقال يعبر عن رأي الكاتب