دروب المرجلة.. دراما تائهة بلا هوية، وعمل لم يجد طريقه
جميل القشم /خاص الحديدة اكسبرس
14 مارس 2025
منذ بدء عرضه يواجه مسلسل دروب المرجلة موجة من الانتقادات ليس فقط بسبب تناوله السطحي للقيم التي يدعي تمثيلها، بل لأنه لم يتمكن من بناء هوية واضحة تنتمي إلى بيئة عربية محددة، فعلى الرغم من تصنيفه كعمل بدوي، إلا أن تفاصيله جاءت غير متناسقة مع أي منطقة في اليمن أو الجزيرة العربية أو الخليج، مما جعله يبدو كخليط غير مدروس من عناصر مختلفة ومشتتة.
عند متابعة المسلسل، يواجه المشاهد صعوبة في تحديد الإطار الجغرافي والثقافي الذي يستند إليه، فالحوار يحمل مزيجا من لهجات متعددة، لا تنتمي لنمط واضح، والملابس والتقاليد المصورة، تبدو وكأنها انعكاس لتصور عام عن البداوة دون استناد إلى فهم دقيق لأي مجتمع بدوي حقيقي، هذا التداخل جعل من الصعب على الجمهور سواء في اليمن أو الخليج أو أي منطقة عربية أخرى أن يشعر بالارتباط بالعمل.
إلى جانب غياب الهوية الثقافية الواضحة تضمن المسلسل العديد من التناقضات التي أثرت على تماسك الحبكة ومن أبرزها: تغير سلوك الشخصيات دون مبرر، مثلا مشهد يتحدث البطل عن القيم والمبادئ ثم في المشهد التالي يتصرف بعكس ما قاله تماما مما يجعل شخصيات العمل تبدو غير مستقرة نفسيا أو سلوكيا
فضلا عن استخدام تقنيات لا تتناسب مع الزمن المفترض، رغم أن المسلسل يصور حياة البادية، إلا أن بعض الشخصيات ظهرت وهي تستخدم تقنيات حديثة لا تتناسب مع السياق الزمني الذي يحاول المسلسل تقديمه مما أضعف المصداقية البصرية.
ومن بين هذه التناقضات، عدم اتساق اللغة الحوارية، فالحوار يتأرجح بين استخدام كلمات تراثية قديمة وأخرى حديثة مما جعل تحديد الحقبة الزمنية للأحداث أمرا مربكا، اضافة الى تباين البيئة البصرية في بعض المشاهد، حيث يظهر نمط حياة بدوي تقليدي قائم على الخيام بينما في مشاهد أخرى نجد مجالس فاخرة لا تتماشى مع الطابع العام للمسلسل مما خلق تعارضا بصريا واضحا.
إلى جانب التناقضات الدرامية ظهرت أخطاء فنية أثرت على تجربة المشاهدة ومنها : عدم تناسق الأزياء والمكياج، فبعض الشخصيات بدت وكأنها خرجت من صالون تجميل حديث بينما يفترض أن تعيش في بيئة صحراوية قاسية.
اضف الى ذلك ظهور إضاءة غير طبيعية، مثل المشاهد الليلية التي بدت وكأنها مضاءة بضوء النهار مما أضعف الإحساس بالواقعية، وايضا حركة كاميرا غير مستقرة في مشاهد القتال، واهتزاز الكاميرا بشكل ملحوظ جعل المشاهد القتالية تبدو مربكة وغير واضحة.
كما أن استخدام نفس المواقع لتصوير مشاهد مختلفة، وتكرار بعض الديكورات مع تغييرات طفيفة، كشف محدودية الإنتاج وأضعف الإحساس بالتنوع البصري
من أكبر نقاط ضعف المسلسل كان النص، إذ افتقر إلى التماسك والعمق، واحتوى على حوارات تبدو مصطنعة أكثر من كونها طبيعية، كثير من العبارات بدت وكأنها خطب منمقة لا تضيف للدراما شيئا مما جعل الشخصيات تبدو جامدة وغير واقعية.
اجمالا.. لم يتمكن دروب المرجلة من تقديم صورة متماسكة للدراما البدوية، اذ يفتقر إلى هوية ثقافية ومكانية واضحة، ويعانى من تناقضات درامية وفنية أضعفت تماسكه، ورغم أن الفكرة الأساسية كان من الممكن أن تتحول إلى عمل متميز، إلا أن ضعف التنفيذ حال دون ذلك، ليبقى المسلسل مثالا على أهمية الاتساق في البناء الدرامي والثقافي لأي عمل تلفزيوني، وشاهدا على كيف يمكن لمسلسل أن يضيع بين التقليد الأعمى وسوء التنفيذ، فلا يكون له أي دروب ولا أي مرجلة.
________
رأي الكاتب لا يمثل وجهة نظر الموقع