الإدمان الرقمي والإنترنت العميق!
الحديدة اكسبرس/متابعات
يجب على الأفراد تطوير ضبط النفس والوعي بحدود استخدام التكنولوجيا (الجزيرة)
أصبحت التكنولوجيا في عالمنا المعاصر جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليوميّة؛ فالأجهزة الذكية والإنترنت اخترقا جميع نواحي حياتنا، من العمل إلى الترفيه والتواصل الاجتماعي. ومع هذا التطور السريع والانتشار الواسع للتقنيات الرقمية، برزت مشكلة الإدمان الرقمي كواحدة من أبرز التحديات التي تهدد سلامة المجتمع والأفراد على حد سواء.
الإدمان الرقمي هو حالة من الاعتماد المفرط على الأجهزة الإلكترونية والتواصل عبر الإنترنت، إذ يقضي الشخص المدمن ساعات طويلة أمام الشاشات، متجاهلاً مسؤولياته ومتطلبات الحياة اليومية الأساسية.. هذا السلوك المرضي له آثار سلبية خطيرة على الصحة العقلية والجسدية للفرد، فقد يؤدي إلى مشاكل نفسية مثل القلق والاكتئاب، إضافة إلى اضطرابات النوم وزيادة الوزن؛ وعلى المستوى الاجتماعي، قد يتسبب الإدمان الرقمي في عزلة الفرد وضعف علاقاته مع المحيطين به، بالإضافة إلى تراجع مستوى إنتاجيته ومردوده الوظيفي.
تقع على عاتق الحكومات والمؤسسات التربوية والصحية مسؤولية التصدي لهذه المشكلة؛ وذلك من خلال تطوير برامج توعوية وتثقيف للمواطنين، حول خطورة الإدمان الرقمي والإنترنت العميق
ولا يقف الخطر عند حدود الإدمان الرقمي فحسب، بل يتعداه إلى ما يُعرف بالإنترنت العميق (Deep Web)، هذا الجزء المظلم والمجهول من الإنترنت هو ذو محتوى إجراميّ ومواد محظورة، قد تكون مدمرة للفرد والمجتمع على حد سواء. وإنّ الوصول إلى هذا الجزء من الويب قد يؤدي إلى انخراط في أنشطة إرهابية أو إجرامية خطيرة، ما يشكل تهديدًا حقيقيًا للأمن والسلامة العامة.
ولمواجهة هذه المشكلة المتفاقمة، لا بد من اتخاذ إجراءات فعالة على المستويين الفردي والمجتمعي.. على الصعيد الفردي، يجب على الأفراد تطوير ضبط النفس والوعي بحدود استخدام التكنولوجيا، كتقليل وقت الشاشة، وتخصيص فترات راحة، والمشاركة في أنشطة بديلة صحية أمور ضرورية للسيطرة على الإدمان الرقمي؛ كما ينبغي على الأشخاص المتأثرين طلب المساعدة المهنية واتباع برامج علاجية للتغلب على هذه الحالة.
أما على المستوى المجتمعي، فتقع على عاتق الحكومات والمؤسسات التربوية والصحية مسؤولية التصدي لهذه المشكلة؛ وذلك من خلال تطوير برامج توعوية وتثقيف للمواطنين، حول خطورة الإدمان الرقمي والإنترنت العميق، كما ينبغي على هذه الجهات وضع سياسات وتشريعات تنظم استخدام التكنولوجيا والإنترنت، بالإضافة إلى تعزيز دور الأسرة في توجيه الأبناء والحد من الإدمان.
في ظل هذه التحديات الخطيرة، لا يمكننا تجاهل مشكلة الإدمان الرقمي والإنترنت العميق، فإن التصدّي لهذه الظاهرة يتطلب جهودًا متكاملة على المستويات الفردية والأسرية والمجتمعية.. فقط من خلال هذا النهج الشامل يمكننا الحفاظ على صحتنا النفسية والاجتماعية في عصر الرقمنة المتسارع.
يجب أن تكون هناك جهود مجتمعية منسقة لإيجاد الحلول الناجعة.. فعلى سبيل المثال، يمكن تعزيز دور المدارس في تنمية وعي الأجيال الناشئة، وتشجيع الأسر اعتماد أساليب تربوية تضبط استخدام التكنولوجيا
لقد أضحى الإدمان الرقمي والإنترنت العميق، من أبرز التهديدات التي تواجهنا في العصر الحالي؛ فهذه المشكلة المتفاقمة تؤثر سلبًا على الصحة العامة والأمن المجتمعي، وقد ترتب عليها انعكاسات اقتصادية وتنموية خطيرة، وبالتالي، فلا بد من العمل بحزم وجدية لصيانة مجتمعنا من هذه المخاطر المحدقة؛ لنضمن مستقبلاً آمنًا وصحيًّا لأجيالنا القادمة.
في هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة إلى تعزيز الوعي المجتمعي حول خطورة هذه المشكلة؛ فالأفراد والأسر بحاجة إلى المزيد من التوعية والتثقيف بشأن آثار الإدمان الرقمي واحتمالات الانزلاق نحو الإنترنت العميق. وعلى المؤسسات الرسمية أن تتحمل مسؤوليتها في هذا الصدد، من خلال تطوير البرامج التوعويّة والتشريعات الرادعة.
كما يجب أن تكون هناك جهود مجتمعية منسقة لإيجاد الحلول الناجعة.. فعلى سبيل المثال، يمكن تعزيز دور المدارس في تنمية وعي الأجيال الناشئة، وتشجيع الأسر اعتماد أساليب تربوية تضبط استخدام التكنولوجيا، هذا بالإضافة إلى تطوير خدمات علاجية واستشارية للمتأثرين بالإدمان الرقمي، ودعم البحث العلمي في هذا المجال.
من جانب آخر، فإن الإنترنت العميق يشكل تهديدًا خطيرًا على المستوى الأمني والإجرامي؛ فهذا الجزء المظلم من الشبكة العنكبوتية يحتوي على مضامين إرهابية وأنشطة إجرامية محظورة، وقد أصبحت هذه المواقع والمنصات بؤرة لتجنيد الأفراد وتسهيل الأنشطة الإرهابية والإجرامية. لذا، يتعين على الجهات الأمنية والتشريعية اتخاذ إجراءات صارمة للسيطرة على هذا الجانب الخطير من الإنترنت.
مواجهة مشكلة الإدمان الرقمي والإنترنت العميق، تتطلب نهجا شاملا وجهودا متضافرة على جميع المستويات؛ فالتصدي لهذه التحديات الخطيرة هو واجب وطني وأخلاقي، من أجل صيانة مستقبل مجتمعاتنا وحماية أفرادها
ومن منظور اقتصادي، فإن الإدمان الرقمي قد يؤثر سلبًا على الإنتاجية والأداء الوظيفي للأفراد، كما أنه قد يتسبب في خسائر اقتصادية كبيرة نتيجة للتغيب عن العمل والأخطاء الناتجة عن التشتت والانعزال. لذا، تبرز الحاجة إلى إدماج برامج الوقاية والعلاج من الإدمان الرقمي في استراتيجيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
على الصعيد التربوي والتعليمي، يجب على المؤسسات التعليمية تضمين مناهجها برامج توعوية حول استخدام التكنولوجيا بطريقة آمنة وصحية، فتوعية الأجيال الناشئة وتزويدهم بالمهارات اللازمة لضبط استخدام الأجهزة الرقمية أمر بالغ الأهمية في مواجهة هذه المشكلة.
في هذا الإطار، تبرز أهمية دور الأسرة في توجيه أبنائها والحفاظ على توازن استخدام التقنيات الرقمية؛ فالآباء والأمهات مطالبون بوضع قواعد واضحة، وبممارسة الرقابة الفعالة على نشاطات أبنائهم عبر الإنترنت، كما يجب تشجيع الأسر على تخصيص أوقات للأنشطة البديلة خارج الشاشات، لتعزيز التواصل الأسري والتوازن في الحياة اليومية.
في نهاية المطاف.. إن مواجهة مشكلة الإدمان الرقمي والإنترنت العميق، تتطلب نهجا شاملا وجهودا متضافرة على جميع المستويات؛ فالتصدي لهذه التحديات الخطيرة هو واجب وطني وأخلاقي، من أجل صيانة مستقبل مجتمعاتنا وحماية أفرادها.. لقد آن الأوان لنتحرك بحزم وفاعلية لاستئصال هذا الخطر الماثل، والذي يهدد كيان المجتمع في عصر التكنولوجيا المتسارع.
//////////
مصدرالمقال
لقناة الجزيرة.
عبد الله مثنى
كاتب وصحفي عراقي