الشريط الإخباري

الدولة العميقة ..واقع مرير..وصراعات لا تنتهي.

 الدولة العميقة ..واقع مرير..وصراعات لا تنتهي.




بقلم-عبده بغيل

10-8-2023


____________1________


تعريف الدولة العميقة:


نشأ مصطلح الدولة العميقة أولا في تركيا في تسعينيات القرن الماضي للتعبير عن شبكات من المجموعات وضباط القوات المسلحة الذين أخذوا على عاتقهم حماية علمانية الدولة التركية بعد قيامها على يد مصطفى كمال أتاتورك ومحاربة أي حركة أو فكر أو حزب أو حكومة تهدد مبادئ الدولة التركية العلمانية، وكان ذلك أول تعريف وظهور لمفهوم الدولة العميقة.


والدولة العميقة هي مجموعة من الأشخاص أو الجهات غير المنتخبة التي تمارس السلطة والتأثير على مصير الدولة بشكل سري أو غير رسمي، وتتحكم بالقرارات السياسية والاقتصادية والأمنية للدولة، دون الالتزام بالقانون أو المساءلة. وتتكون الدولة العميقة من عناصر تنتمي إلى المؤسسات العسكرية أو البيروقراطية أو الأمنية أو الإعلامية أو الحزبية، وتحافظ على مصالحها وأهدافها عبر التحالفات والشبكات والتشابكات .


____________2__________



أمثلة لوجود دول عميقة في العالم؟



هناك بعض الأمثلة دول عميقة في العالم، وهي دول تعاني من تدخل أو تأثير مجموعات أو جهات سرية أو غير رسمية في الشؤون السياسية والاقتصادية والأمنية للدولة، دون الالتزام بالقانون أو المساءلة. بعض هذه الدول هي:


تركيا: 



تركيا تشهد منذ عقود صراعا بين الجيش والحكومة المدنية، حيث يتهم الجيش بأنه يمثل الدولة العميقة التي تحاول الحفاظ على العلمانية والنظام القومي التركي، وتنفيذ انقلابات عسكرية ضد الحكومات التي تعتبرها مخالفة لهذه المبادئ. كما يتهم بأنه يتحالف مع جهات خارجية مثل حلف شمال الأطلسي وإسرائيل والولايات المتحدة لخدمة مصالحها




الولايات المتحدة:


 الولايات المتحدة هي دولة تستخدم مصطلح الدولة العميقة لوصف نظرية مؤامرة تشير إلى التواطؤ والمحسوبية الموجودة داخل النظام السياسي الأمريكي. فالدولة العميقة الأمريكية تشكل حكومة خفية داخل حكومة منتخبة شرعًا. ويرى بعض المؤيدين لإدارة ترامب أن الدولة العميقة تضم عناصر من وكالات الاستخبارات والإعلام واللوبيات، وأنها تحارب سياساته وتسعى لإزاحته.



باكستان: 



باكستان تعاني من تأثير قوي لجهاز المخابرات الباكستاني (ISI) في الشؤون الداخلية والخارجية للبلاد، حيث يتهم بأنه يدعم ويغذي حركات مسلحة مثل طالبان والقاعدة وجماعات جهادية في كشمير وأفغانستان، ويتلاعب بالانتخابات والسياسة والإعلام، ويتصارع مع الجيش والحكومة على السلطة والنفوذ


مصر: 



مصر تشهد منذ ثورة 25 يناير 2011 صراعا بين مؤسسات الدولة المختلفة، خاصة الجيش والشرطة والقضاء، وبين القوى السياسية المدنية، خاصة جماعة الإخوان المسلمين، حيث يتهم كلا الطرفين بأنه يمثل الدولة العميقة التي تحاول إفشال الديمقراطية وإستئصال خصومها، وتستخدم لذلك العنف والإرهاب والتزوير والتضليل.


هذه بعض الأمثلة لدولات عميقة في العالم، ولكن هناك أيضا دول أخرى تواجه مشاكل مشابهة. هذه المشكلة تؤثر سلبا على استقرار وتطور هذه الدول، وتحتاج إلى حلول سياسية وقانونية لضمان سيادة الشعب وحقوقه. 





______________3__________


استخدام التاريخ لإضعاف دول عميقة




أولاً/

 يمكن لقادة الدول استخدام التاريخ لإضعاف دول عميقة من خلال كشف وفضح أنشطتها وأهدافها وانتهاكاتها للقانون والشرعية والديمقراطية. فعن طريق توثيق ونشر الحقائق والأدلة التاريخية عن تورط الدولة العميقة في انقلابات أو اغتيالات أو تزوير أو تخريب أو تحالفات سرية، يمكن لقادة الدول تشكيل رأي عام معارض للدولة العميقة، وتحريك الرأي الدولي ضدها، وتحصيل الدعم الشعبي والسياسي للتصدي لها. مثلاً، في تركيا، استخدم رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان التاريخ لإضعاف دور الجيش في السلطة، وذلك بفضح انقلاباته السابقة، ومحاكمة ضباطه المتورطين في مؤامرات ضده، وتغيير الدستور لتقليل نفوذه.



ثانياً/

 يمكن لقادة الدول استخدام التاريخ لإضعاف دول عميقة من خلال إصلاح وتطوير المؤسسات الرسمية والشرعية للدولة. فعن طريق تعزيز دور المؤسسات المدنية والديمقراطية مثل البرلمان والحكومة والقضاء والإعلام، يمكن لقادة الدول تحديث وتحسين أداء الدولة، وتحقيق المصالح الوطنية، وتلبية حاجات المواطنين، وتقليل فرص تدخل الدولة العميقة في شؤون الدولة. مثلاً، في مصر، استخدم الرئيس عبد الفتاح السيسي التاريخ لإضعاف دور جماعة الإخوان المسلمين في السلطة، وذلك بإصلاح المؤسسات المصرية، وإعادة بناء الثقة بالجيش كضامن لأمن مصر، وإبرام اتفاقات اقتصادية وأمنية مع دول عربية وأجنبية.



ثالثاً/

 يمكن لقادة الدول استخدام التاريخ لإضعاف دول عميقة من خلال خلق وتعزيز هوية وطنية مشتركة بين الشعب. فعن طريق تذكير الشعب بتاريخه العريق وإنجازاته الحضارية ومعاناته الوطنية، يمكن لقادة الدول توحيد الشعب حول قيم ومبادئ وأهداف وطنية، وتحفيزه على المشاركة في بناء مستقبل أفضل للدولة، وتقوية روح المواطنة والولاء للدولة، وتقليل التأثر بالدولة العميقة أو التعاطف معها. مثلاً، في الولايات المتحدة، استخدم الرئيس جو بايدن التاريخ لإضعاف دور الحركات المتطرفة في السلطة، وذلك بالاستناد إلى تاريخ أمريكا كأرض الحرية والديمقراطية والتنوع، والدعوة إلى التآلف والتضامن بين الأمريكيين، والتصدي للعنصرية والإرهاب والشائعات.






___________4_____________


الدولة العميقة مصدراً للفساد والانتهاكات والصراعات 



الدولة العميقة قد تبرر وجودها بأنها تحمي مصالح الدولة أو قيمها أو نظامها من التهديدات الخارجية أو الداخلية، وأنها تعمل لصالح المصلحة العامة أو الأمن القومي. وقد تستخدم لذلك أساليب مختلفة مثل التجسس أو التخريب أو التلاعب أو التزوير أو التورط في حروب سرية أو اغتيالات،



لكن، في كثير من الأحيان، تكون الدولة العميقة مصدراً للفساد والانتهاكات والصراعات في المجتمعات التي تنشأ فيها. فالدولة العميقة تقوض الديمقراطية والشرعية والشفافية والمساءلة في الحكم، وتضعف الوحدة الوطنية والاستقرار والسلام في المجتمع، وتعرقل التنمية والتطور والرفاهية في الاقتصاد

لذلك، يصعب القول إن الدولة العميقة يمكنها تحسين وضع بعض المجتمعات، فهي في الغالب تزيد من مشاكلها وتفاقم من أزماتها. وإذا كان هناك حالات استثنائية حيث قد تسهم الدولة العميقة في حفظ نظام معين أو حل مشكلة محدودة، فإن ذلك يأتي على حساب حقوق وحريات وطموحات شرائح كبيرة من المجتمع، ويخلق عداوات وانقسامات وتوترات لا تنتهي.




________________5_________


إيجابيات وسلبيات الدولة العميقة. 




إيجابيات الدولة العميقة: 


قد تدعي بعض الدول العميقة أنها تعمل لحماية مصالح الدولة أو قيمها أو نظامها من التهديدات الخارجية أو الداخلية، وأنها تسهم في حفظ الأمن والاستقرار والسيادة للدولة. كما قد تستخدم بعض الدول العميقة قوتها ونفوذها لتحقيق بعض الأهداف الإيجابية مثل مكافحة الفساد أو الإرهاب أو المخدرات أو حل بعض المشكلات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية. مثلاً، في باكستان، يُنسب إلى جهاز المخابرات (ISI) دور في دعم مفاوضات السلام مع طالبان والهند، وفي تحسين علاقات باكستان مع دول عربية وإسلامية.




سلبيات الدولة العميقة: 



في المقابل، تكون آثار الدولة العميقة في معظم الأحيان سلبية على المجتمعات التي تنشأ فيها. فالدولة العميقة تقوض الديمقراطية والشرعية والشفافية والمساءلة في الحكم، وتضعف الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي للمجتمع، وتعرقل التنمية والتطور والرفاهية للاقتصاد. كما تستخدم بعض الدول العميقة أساليب غير قانونية أو عنيفة لتحقيق مصالحها أو تخلص من خصومها، مثل التجسس أو التخريب أو التزوير أو التورط في حروب سرية أو اغتيالات. 



______________6__________



 معوقات الدولة العميقة:


 


عدم الإرادة السياسية:


 قد يكون لدى بعض الحكومات أو الأحزاب أو الجماعات مصالح متعارضة مع الحلول المقترحة، وقد يحاولون منعها أو تشويهها أو تخريبها. فعلى سبيل المثال، قد ترفض بعض الحكومات إجراء إصلاحات ديمقراطية أو شرعية خشية من فقدان سلطتها أو نفوذها أو شعبيتها. أو قد تعارض بعض الأحزاب أو الجماعات التغييرات المطلوبة لأنها تتنافى مع مذهبها أو فكرها أو مصلحتها


عدم التعاون الدولي:



 قد تواجه بعض الحلول صعوبات في التنفيذ بسبب تدخل أو مقاطعة أو عداء بعض الدول أو المنظمات الدولية. فعلى سبيل المثال، قد تستخدم بعض الدول نفوذها أو قوتها للتأثير على سياسات وقرارات دول أخرى، أو قد تستغل بعض المنظمات الدولية وجود دول عميقة في بعض الدول لتمرير أجندات خاصة بها.



عدم التكافؤ والتمييز: 



قد تفشل بعض الحلول في تحقيق نتائج مرجوة بسبب وجود عدم تكافؤ وتمييز في المجتمعات التي تنشأ فيها دول عميقة. فعلى سبيل المثال، قد يكون هناك فجوة اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية بين طبقات وفئات المجتمع، أو قد يكون هناك اضطهاد أو استبداد أو انتهاك لحقوق وحريات بعض الأقليات أو المجموعات.







_____________7__________


بعض مقومات الدولة العميقة:




1-تعزيز الديمقراطية والشرعية: 


يجب أن تكون الحكومات المنتخبة شرعية ومسؤولة أمام الشعب، وأن تحترم حقوقه وحرياته وتلبي احتياجاته. كما يجب أن تكون المؤسسات الرسمية مستقلة وشفافة وفعالة، وأن تضمن إنفاق الموارد المالية بكفاءة وعدالة. ويجب أن يكون هناك رقابة ومساءلة على أداء السلطات، سواء من قبل البرلمان أو القضاء أو الإعلام أو المجتمع المدني.


2-تحقيق الوحدة الوطنية والسلام:



 يجب أن تعمل الحكومات على خلق هوية وطنية مشتركة بين مختلف مكونات المجتمع، وأن تحترم التنوع والتعددية. كما يجب أن تعالج الصراعات والتوترات بين الأطراف المختلفة بالحوار والتفاهم والمصالحة. ويجب أن تضع حدا للعنف والإرهاب والانتهاكات، وأن تحافظ على سيادة القانون وحقوق الإنسان.




3-دفع عجلة التنمية والتطور: 


يجب أن تسعى الحكومات إلى تحقيق نمو اقتصادي مستدام وشامل، يخلق فرص عمل وثروة للشعب. كما يجب أن تستثمر في التعليم والصحة والبنية التحتية.


 _________

المصادر مراكز دراسات ،ويكيبيديا 





إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال