أيوب التميمي يكتب: عندما تسقط الدولة أخلاقيا!!
بقلم/أيوب التميمي
"سألوا رجلاً روسياً عجوزاً:
لماذا اعتقلتك الحكومة ثلاث مرات؟
قال العجوز: كنت شاباً حين انضممتُ إلى الحزب، وكنتُ أرافق مفوض الحزب وهو يشرح تاريخ الحزب ومبادئه، وعند مرورنا أمام الكرملين قال لي :
إن سور الكرملين عال
سألته: لماذا هو عال؟
قال لي: كي لا يقفز الحمير من فوقه!
قلت له: من الخارج للداخل أم من الداخل للخارج؟
فأعتقلوني ولم يفرجوا عني حتى مات ستالين
وحين أفرجوا عني فرحت، ووضعت صورة خروتشوف بجانب صورة ستالين، فجاءني مفوض الحزب وسألني:
هل لازلت تضع صورة هذا الحمار؟
سألته: أي منهما؟
فأعادوني إلى السجن، ولم يفرجوا عني حتى عُزِلَ خروتشوف
وفي المرة الأخيرة كنت أحتفل بعيد ميلاد أحد أحفادي
فاتصل بي مفوض الحزب وقال لي:
لماذا لم تأت إلى اجتماع الحزب الأخير؟
قلت له: لو علمت أنه الأخير، لكنت جئت مع كل عائلتي واحتفلنا .. فاعتقلوني للمرة الثالثة "من الأدب الروسي
يتوهم البعض أن "السقوط الأخلاقي" سمة للأشخاص فقط دون الدول، وهذا وهم تجب إزالته، فالتاريخ يثبت أن ثمة دولتين لا غير: "دولة أخلاقية" و"دولة ساقطة"
مع التأكيد أن "الدولة الساقطة أخلاقيا هي ساقطة زائلة لا محالة، غدا أو بعد غد، بسبب تنامي التفكك والتناقض الداخليين، ليكونا بمثابة النار التي تذيب اغراء الصمود وتذهب بريحه"
ذلك أن الأخلاق مغروسة في "الوجدان الجمعي العميق" للإنسان، مما يجعلها تقدم "إشباعا واجبا" لاحتياجات روحية نفسية اجتماعية ملحة. في تحديد معنى الانتماء إليها والذي يتطلب الاتفاق على غايات ومصالح مشتركة للجماعة، بحيث يسعى الأفراد المنتمون إليها لتحقيقها عبر ترسيخ الثقة المتبادلة وبث روح التعاون، مع التأكيد على أن (الغايات التي تريد الجماعة تحقيقها تعتمد على تصورها لكينونتها)
وحتى نكون منصفين لا يوجد دولة "أخلاقية" إطلاقا ، ولا وجود أصلا للمدينة الفاضلة في حياة البشر، ولكنها مسألة نسبية، إذ يتوجب الوفاء بمعدلات تمثل حدودا دنيا من المقبول أخلاقيا في سياق التجمعات البشرية وديناميكيتها، تأسيسا ومعاشا وتفاعلا.
فالدولة حينما تأخذ نواة التشكل تفلح في إيجاد تعريف مقبول لـ"الجماعة الوطنية" التي تشترك في سمات محددة (لغوية ودينية وثقافية واجتماعية وعرقية..)، وبعد إيجاد هذا التعريف تسعى الدولة إلى بلورة "معايير الانتماء" إليها والشروط والالتزامات المترتبة على عضوية الجماعة. !!
ولكن للاسف نجد أن "مضمون الـ"انا" يلعب دورا خطيرا في تقويض مضمون "نحن" فلا يفيدها انصياع بعض المتنفعين لأوامرها أو إملاءاتها، إذ "لكل ساقطة لاقطة" وفي كل هذا مزيد من التضعضع غير المرئي والانهيار والتناقض الداخلي لهذه الدولة، ولا تفيدها بشيء التمظهرات الشكلانية ،ولو بالغوا في تصوير ذلك بالتجمعات والمناسبات والفعاليات !!